![]() |
كتب - حاتم عبدالرحيم
من أهـم ســات عصر المعلومات السـيات الثلاث الرئيسة : (1) تغيرات كـميـة في مقـدار المعلومات المتدفقـة ونوعها، فبفعـل تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات فإن الصـور والمعلومات تغطي المعمورة كافة بسرعة ودقة.
(۲) إرسال المعلومات إلى العديـد مـن الأطراف ( البـشر والمعـدات) فالمعلومات توجه الصاروخ، والصحفي يرسل التقرير، والبث المباش
ر من مكان الحدث.
(3) وجود الشبكات ( Networking) حيث يتم تداول المعلومات بين جميع الأطراف من مثل البريد الإلكتروني، والجوال، ... . الخ (كوهين،٢٠٠١). ومع عولمة الاتصالات والمجتمع فإن التأثير لم يعد محلياً، لا بل إن الأحداث الداخلية مها صغرت أهميتها قد تجاوزت الحدود الوطنية وعبرتها إلى المجتمع الكوني.
يعد هذا القرن أول قرن كوني (Global Century)، حيث الانسياب بين الحدود للمال والتجارة والاستثمار، والمعلومات، والتقنيات، والثقافة، والقيم والأفكار والناس، والأمن، والجريمة، ويشكل هذا الوضع تحديات ومخاطـر وتهديدات أمنية جديدة. إن القرارات والأحـداث والناس في أي مكان في العالم يمكـن أن تؤثر في الأمـن الـوطـنـي وفي التقدم والتنمية والسياسات الوطنية المحلية. وتتطلب التحديات في هذا القرن من الحكومات والمواطنين في كل مكان أن يروا، ويفكـروا، ويتصرفوا بطريقة كونية. لقد كانت الأحداث في السابق تؤثر في منطقة ما فقط، أما في عصر العولمة فقد زاد الترابط الافتراضي والاعتمادية المتبادلة بين المجتمعات وأصبحت الأحداث كونية، والتحديات كونية، والمشكلات كونية، والحلول كونية. إن الكفاح من أجل التقدم والرخاء كما هو الحال في الحرب والسلام يتأثر بالأحداث في أمكنة متفرقة في العالم.
لقد صعبت العولمة على الدول بأن تبقى بمعزل عن بعضها البعض، وإن ظهور النظام العالمي قد تشكل على أنقاض الحدود القديمة بين الشؤون الخارجية والمحلية، وبين الاقتصاد والأمن الوطني. إن مواجهة التحديات في عصر العولمة تتطلب تحولا في طرق التفكير حول العالم وفي طريقة رسـم السياسات، إنها تتطلب مزيداً من الديناميكية للاقتصاد والأمن والسياسات الحكومية(2001 ,Flanagan). إن التحدي هو كيفية الاستفادة من الميزات الإيجابية للعولمة وتقليل الآثار السلبية لها وهذا يتطلب مزيداً من الاتجاهات التكاملية في السياسات والآليات في اتخاذ القرارات التـي تسرع تطبيق السياسات اللازمة .
وعلى الرغم من محاولات بعض الحكومات في الضبط والتحكم إلا أنها لن تستطيع المحافظة على مجتمعاتها بين جدرانها معزولة عن الخارج. وأصبح من المستحيل منع المعلومات من التدفق عبر حدودها في عصر المعلومات. إن العالم ومن خلال التجارة والثقافة والاتصالات قد أصبح أكثر أمناً. إن الدولة ذات الاقتصاد القوي والروابط الثقافية لن تخاطر بأذية اقتصادها وثقافتها من خلال الانغماس في أفعال عدوانية وحروب.
إن الدول التي تتعولم بسرعة تنعم بحريات سياسية ومدنية، حيث إن المجتمع الذي ينعم بقيمة وفوائد الديموقراطية من الصعب قمعه. إن القادة الديمقراطيين يمكنهم استخدام التقنيات الحديثة والتواصل معها، حيث يمكنهم الوصول إلى المعلومات الدولية والحصول على معلومات عن بلدانهم وعن العالم الخارجي. والحصول على وسائل حرة ومفتوحة والاستفادة من الديموقراطية من خلال المساعدة في مواجهة الفساد في الحكومة، أو النظام الاقتصادي، بالإضافة إلى أن أي دولـة تحاول منع مجتمعها مـن الوصول المعلومات تخاطر بعزلهـا اقتصادياً مع زيادة اعتاد الاقتصاد الكوني على التجارة الالكترونية. ( 2002 ,Feist).
لم تعـد الحكومات ولا الدول تخشى من بعضها البعض بقدر خشيتها مـن المنظمات، والجماعات الإرهابية، لا بل إن قـدرة الدولـة عـلى ضبط الناس، والتحكم بهم قد أصبحت ضعيفة، وستزداد ضعفـاً يوماً بعد يوم، فيمكـن وصـف ثورات هذا العصر بأنها ثورة معلومات وثورة الكاسيت، وثورة الفاكس، وثورة الجوال. إن انتشار الإنترنت في العالم وزيادة حجم المستخدمين لها واستخدامها كآلة لنشر المعلومات (Information dis semination) ووسيط في التفاعـل بين الأفراد والحاسبات دون حسبان للجغرافيا، قد سهل تواصـل الأفراد ونقل المعلومات والتقنيات والجريمة والمخدرات عابرة الحدود الوطنيـة. ومـع شــيوع ما سمي البنـاء التحتي المعلوماتي الكوني الفائق السرعة( -Global Information Super high way Infrastructure). فقد زادت ، عـة انتقال المعلومات والجرائـم والثقافات بين الأمم. وتحولت السـوق من محليـة إلى دولية ليس في مجال السلع الشرعية والقانونية بل في سوق الجريمة والمخدرات كذلك. في هذا العصر قد حل الدخلاء محل الجنود عند اندلاع الحروب، وستكون الحروب في المستقبل بلا دماء. ويمكن استخدام المجسات، والأسلحة الذكية لتدمير البناء التحتي المعلوماتي، وخاصة مراكز الاتصالات، والتلفزيون، والراديو، والصحـف .... إلخ. ويمكـن أن تكون حروب الغد حروباً بلا جيوش. ويمكـن تعـطيـل نظم المال، والبنوك، والطيران المدني ، والطاقة من أي فرد عادي يملك وسائل بسيطة في التخريب.
يتطلب الأمن الوطني في عصر العولمة مؤسسات أمنية مصممة للتعامل مع التغير السريع، تركز على الإبداع والشفافية وإرضاء العملاء (المجتمع بأسره)، مؤسسات ذات سرعة عالية في نشر المعلومات وإعلام الجمهور. مؤسسات قادرة على إعادة تصميم ذاتها (الهندرة reengineering ) والاستفادة من التطعيم الاجتماعي، والثقافة الأمنية، في إعادة بناء نظم المجتمع، وتحصينها لمواجهة المستجدات السريعة والسريعة التغير . ففي السابق كانت السرية المطلقة هي سمة العمل الأمني، ومع توافر وسائل الاتصالات ونشر المعلومات، فلم يعد هناك استبداد معلوماتي بيد قلة من القادة.
وهذا العصر كما وصفه جلالة الملك عبد الله الثاني بقوله: «لقد بزغت ملامح واقع جديد يشجع منهج الاعتماد المتبادل ويرفض العزلة، واقع واعد بتوافر الفرص الجديدة ومحفوف بالمخاطر والتحديات تفرض البيئة الدولية السريعة التغير على الدول النامية تبني برامج وخيارات جديدة للمستقبل» (عبدالله الثاني ابن الحسين، ۲۰۰۱).
عصر لم يعد يسير بالحروب، أو بالطاقة، أو بالجيوش إنه يسير بالبيئات والبيانات ... إنها الالكترونيات، الحروب لم تعد تتعلق بمن يملك الجيوش، أو العتـاد الأكثر، أو الجيش الأكبر، إنها تتعلق بمن يسيطر على المعلومات، وأوعيتها وحاوياتها ومعداتها . عصر أمن الإنسان وليس أمن الدولة.
المقدمة
إن استخدام مصطلح العولمة لوصف بعض الجوانب الرئيسة للتحول في النشاط الاقتصادي العالمي. وهذا ليس حصراً على الاقتصاد، فالجريمة والمخدرات والإرهاب والاتجار بالأطفال، والنساء، والمواد النووية قد تمت عولمتهـا. العولمة ليست بالظاهـرة الجديدة ولها جذورها التاريخية، ولكن العولمة الراهنة تمتاز بثورة المعلومات والتقنيات والاتصالات وخصائص هذا الانفجار المعلوماتي والاتصالات والسرعة والكثافة كونية تلامس الحياة اليومية للإنسان على هذا الكوكب.
العولمة ليست ظاهـرة جديدة في جوهرها بمعنى الانسياب الاقتصادي والتجاري والثقافي بين الدول والمجتمعات. فانتشار الثقافات بين المجتمعات في اللغة، والسلوك، والقيم، وعـادات اللباس، والطعام من الأمثلة الشائعة في هـذا المجال. وكذلك الحال في العلوم، فانتقال العلم بين الشعوب وتأثرها المتبادل ظاهـرة معروفة عبر التاريخ. فعلماء المسلمين استفادوا من علماء في ثقافـات أخـرى، فابن سـيـنـا قـد تأثر بـابي قراط، وابن رشـد بأرسطو. إن التطورات في وسائل المواصلات والاتصالات وشبكات الحاسب ذات تأثير رئيس في الذخائر التقنية والمعنوية والثقافية بين الشعوب والمجتمعات، ولا يتوقف الأمر على عولمة التكنولوجيا، والحاسب، والثقافة والطعام الصيني وإنـا رافقهـا عولمة في ربط الدول النامية مع الدول المتقدمة ما أدى إلى حراك فعلي وافتراضي للمجتمعات خاصة بين المجتمعات النامية والصناعية، كل هذه الظروف جعلت من الجريمة عابرة للحدود الوطنية، ودولية ومتداخلة بين الدول